الخميس، 14 أبريل 2016

درس: الأحرف المشبهة بالفعل و بليس

 الأحرف المشبهة بالفعل و بليس

أ‌-       الأحرف المشبهة بالفعل: إنّ وأخواتها :

الأحرفُ المشبَّهةُ بالفعل ستَّة، هي " إنَّ وأنَّ وكأنَّ ولكنَّ وليتَ ولعلَّ ".
وحكمُها أنّها تدخلُ على المبتدأ والخبرِ فتنصبُ الأولَ، ويُسمّى اسمَها، وترفعُ الآخرَ، ويُسمّى خبرَها، نحو "إنّ اللهَ رحيمٌ و كأنّ العلمَ نورٌ" ( اللهَ، العلمَ ) اسمها منصوب... / ( رحيمٌ، نورٌ ) خبرها مرفوع ...
وقد يكون اسمها ضميراً متّصلاً ( الهاء وها والكاف) وما يشتق منها للمثنى والجمع ( والياء ونا) نحو ( إنّه إنّك إنّها إنّي إنّا) إنّي وإنّا أصلها ( إنّني وإنّنا وتدغم وفقاً لمراد المتكلّم وصاحب النّص وفكّ الإدغام أقوى في المعنى والتوكيد ).

مقطع  فيديو: معاني الأحرف المشبهة بالفعل 01

فائدة:

(وسُمِّيتْ مشبهة بالفعل لفتح أواخرها ، كالماضي، ووجود معنى الفعل في كل واحدة منها. فانّ التأكيدَ والتشبيهَ والاستدراك والتمني والترجي، هي من معاني الافعال) ونحن نجد هذه الأحرف قد تضمنتها.
مَعاني الأَحرُفِ المُشَبَّهَةِ بالفعْلِ: معنى "إنَّ وأنَّ " التوكيدُ ، فهما لتوكيدِ اتصافِ المُسنَدِ إليه بالمُسند ( وإنْ كانت إنّ بالكسر أقوى في الدلالة والمعنى والتوكيد من ( أنّ ) بالفتح ) .
ومعنى (كأنَّ) التشبيهُ المؤكدُ. لأنها في الأصل مُركبةٌ من "أنَّ" التوكيدية وكافِ التشبيه، فاذا قلتَ "كأنّ العلمَ نورٌ" فالاصلُ "إنَّ العلمَ كالنور" ثم إنهم لما أرادوا الاهتمامَ بالتشبيه، الذي عَقَدوا عليه الجملة، قدّموا الكافَ، وفتحوا همزةَ " إنّ "، مكان الكاف، التي هي حرفُ جرّ، وقد صارت وإيّاها حرفاً واحداً يُرادُ به التشبيهُ المؤكد.
ومعنى (لكنَّ) الاستدراكُ، والتوكيد، فالاستدراكُ نحو: "زيدٌ شجاعٌ ، ولكنه بخيل"، وذلك لانَّ من لوازم الشجاعةِ الجودَ، فاذا وصفنا زيداً بالشجاعة، فرُبما يُفهمُ أنهُ جوادٌ أيضاً، لذلك استدركنا بقولنا "لكنه بخيل". والتوكيدُ نحو: "لو جاءني خليلٌ لأكرمتُهُ، لكنه لم يجيء"، فقولك لو جاءني خليلٌ لأكرمتُه " يفهم منه أنه لم يجيء، وقولك "لكنه لم يجيء" تأكيدٌ لنفي مجيئه.

ومعنى (ليتَ) التمني، وهو طلبُ مالا مطمع فيه، أو ما فيه عُسرٌ، فالأول كقول الشاعر:
أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً *** فأُخبرَهُ بما فَعَل المَشِيبُ
والثاني كقول المعسر "ليتَ لي ألفَ دينارٍ". وقد تُستعمل في الأمر الممكن، وذلك قليلٌ، نحو " ليتك تذهب".
ومعنى ( لعلَّ ) الترجّي والإشفاقُ. فالترجي طلبُ الأمر المحبوب، نحو "لعلَّ الصديقَ قادمٌ ". والاشفاقُ هو الحذَرُ من وقوع المكروه، نحو "لعلّ المريضَ هالكٌ ". وهي لا تُستعملُ إلاّ في الممكن.
وقد تأتي بمعنى (كي)، التي للتعليل، كقولك " إبعثْ إليّ بدابتك، لعلي أركبها "، أي كي أركبها. وجعلوا منه قوله تعالى: {لعلكم تتَّقون. لعلّكم تعقلون. لعلّكم تَذكّرون}، أي " كي تَتقوا، وكي تَعقلوا، وكي تَتذكّروا".
وقد تأتي أيضا بمعنى الظنَّ، كقولك "لعلي أزورُك اليوم ". والمعنى أظنَّني أزورك. وجعلوا منه قولَ أمريء القيس
وبُدِّلْتُ قَرْحاً دامِياً بَعْدَ صِحَّةٍ *** لَعَلَّ مَنايانا تَحُولَنَّ أَبْؤُسا *
وبمعنى (عسى) للمقاربة، كقولك ( لعلَّكَ أن تجتهدَ ). و منه قولَ مُتَمّمٍ
*لَعَلَّكَ يَوْماً أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ *** عَلَيْكَ، منَ اللاَّتي يَدَعْنَكَ أَجدَعا *
بدليل دخول ( أنْ ) في خبرها، كما تدخل في خبر (عسى).
أنواع خبر ( إنّ وأخواتها )، يكون خبر هذه الأحرف ثلاثةَ أنواع هي:
الْخَبرُ المُفْرَدُ ، والْجُمْلَةُ، والشبيهُ بالجملة
يقع خبر الأحرف المشبّهة بالفعل مفرداً ( أي غيرَ جملةٍ ولا شبْهَها ) نحو " كأنَّ النّجمَ دينارٌ" ( دينارٌ، خبر مفرد مرفوع ..)، أو جملةً فعليّةً، نحو "لعلك اجتهدتَ { اجتهدتَ، اجتهد فعلٌ ماضٍ، والتاء في محل رفع فاعل (والجملة الفعلية ( اجتهدت ) في محل رفع خبر لعلّ } . ومثله ( إنَّ العلمَ يُعَزَّزُ صاحبهُ )، أو جملةً اسميةً، نحو " إنَّ العالمَ قدرُهُ مرتفعٌ " { قدرهُ ،مبتدأ، مرتفعٌ، خبر للمبتدأ ( والجملة الاسميّة) قدره مرتفعٌ في محل رفع خبر إنّ  }
أو شِبْهَ جُملةٍ ( وهو أن يكون الخبر مُقدَّراً مدلولاً عليه بظرفٍ أو جارّ ومجرورٍ يتعلقانِ بهِ )، نحو "إنّ العادلَ تحتَ لِواءِ الرَّحمن، وإنّ الظالمَ في زُمرة الشيطان " .
( والخبر هنا يصح أن تقدره مفرداً ككائن وموجود، وأن تقدره جملة ككان ووجد، أو يكون ويوجد. فهو مفرد، باعتبار تقديره مفرداً، وجملة، باعتبار تقديره جملة ، فالحقيقة فيه أنه شبيه بالمفرد وبالجملة ، وتسميته بشبه الجملة فيها اكتفاء واقتصار) .
حَذْفُ خَبَرِ ( إنّ وأخواتها): يجوز حذف خبرِ هذه الاحرفِ. وذلك على ضربينِ جائز وواجب، فيُحذَفُ جوازاً، اذا كان كوناً خاصاً ( أي من الكلماتِ التي يُرادُ بها معنًى خاصّ )، بشرطِ أن يدُلَّ عليه دليلٌ ، كقوله تعالى { إنَّ الذينَ كفروا بالذّكر لمّا جاءهم. وانهُ لكتابٌ عزيزٌ}؛ (أي إن الذين كذبوا بالذكر معاندون، أو هالكون، أو معذبون).
وقال الشاعر: أَتَوْنِي ، فَقالوا يا جَميلُ، تَبَدَّلتْ *** بُثَيْنَةُ أَبْدالاً ، فَقُلْتُ لَعَلَّها
(أي لعلها تبدَّلت، أو لعلها فعلت ذلك).
ويُحذفُ وجوباً ، اذا كان كوناً عاماً ( أي من الكلمات التي تدُلُّ على وجودٍ أو كونٍ مُطلقَينِ، فلا يُفهَمُ منها حَدَثٌ خاصٌّ أو فعلٌ معيَّنٌ، ككائنٍ، أو موجود، أو حاصلٍ ) وذلك في موضعينِ:
(1) الأول بعدَ "ليتَ شِعري": اذا وَلِيَها استفهامٌ، نحو " ليتَ شِعري هل تنهضُ الأمةُ ؟ وليتَ شِعري متى تنهضُ؟"، قال الشاعر:ألاَ لَيْتَ شِعْري كَيْفَ جادَتْ بِوَصْلِها ؟ *** وكيفَ تُراعي وُصْلةَ المُتَغَيِّبِ
أي ليت شعري ( أي علمي وشعوري ) حاصلٌ. والمعنى ليتني أشعر بذلك، أي أعلمه وأدريه. وجملة الاستفهام في موضع نصب على أنّها مفعول به لشعري، لأنّه مصدر شعر).
(2) أن يكونَ في الكلام ظرفٌ أو جار ومجرورٌ يتعلقانِ به: فيُستغنى بهما عنهُ، نحو " إنَّ العلمَ في الصدور. وانَّ الخيرَ أمامك ".(فالظرف والجار متعلقان بالخبر المحذوف المقدر بكائن أو موجود أوحاصل )
تَقَدُّمُ خبَرِ هذِه الأَحرُف: لا يجوزُ تقدُّمُ خبرِ هذه الأحرف عليها، ولا على اسمها.
أما معمولُ الخبرِ، فيجوزُ أن يتقدَّم على الاسم، ان كان ظرفاً أو مجروراً بحرف جرٍّ، نحو " إنَّ عندَك زيداً مُقيمٌ "، قال الشاعر: فَلا تَلْحَني فيها ، فإنَّ بِحُبِّها *** أَخاكَ مُصابُ الْقَلْبِ جُمٌّ بَلابِلُهْ *
ومن ذلك أن يكون الخبرُ محذوفاً مدلولاً عليه بما يتعلقُ به من ظرفٍ مأو جارٍّ ومجرورٍ مُتقدمين على الاسم، نحو "إنَّ في الدَّار زيداً "، ومنهُ قولهُ تعالى "إنَّ فيها قوماً جبّارينَ، وقولهُ " إنَّ مع العُسرِ يُسراً ".
( فالظرف والجار متعلقان بالخبر المحذوف غير أنه يجب أن يقدر متأخراً عن الاسم ، إذ لا يجوز تقديمه عليه. كما علمت. وليس الظرف أو الجار والمجرور هو الخبر، كما يتساهل بذلك كثير من النحاة ، وإنما هما معمولان للخبر المحذوف ، لأنّهما متعلقان به ).
ويجبُ تقديمُ معمولِ الخبر، إن كان ظرفاً أو مجروراً ، في موضعين:
(1) أن يَلزمَ من تأخيره عودُ الضمير على متأخرٍ لفظاً ورتبةً وذلك ممنوعٌ:  نحو " إنَّ في الدَّار صاحبَها ".
( فلا يجوز أن يقال "ان صاحبها في الدار ) " ، لأنّ " ها " عائدة على الدار. وهي متأخرة لفظاً، وكذلك هي متأخرة رتبة، لأنّ معمول الخبر رتبته التأخير كالخبرِ ".
(2) أن يكون الاسمُ مُقترِناً بلامِ التأكيد: كقوله تعالى { وإنَّ لنا للآخرة والأولى } ، وقولهِ { إنَّ في ذلك لَعِبْرةً لأولي الأبصارِ} .
أمّا تقديمُ معمولِ الخبرِ على الخبر نفسهِ، بحيثُ يَتوَّسطُ بينَ الاسمِ والخبر ، فجائزٌ، سواءٌ أكانَ معمولهُ ظرفاً أو مجروراً أم غيرَهما، فالاولُ نحو:" إنكَ عندَنا مقيمٌ "، والثاني نحو "إنكَ في المدرسة تتعلّمُ"، والثالث نحو:" إنَّ سعيداً دَرْسَهُ يكتبُ " .
فائدة:متى جاء بعد " إنّ " أو إحدى أخواتها ظرف أو جار ومجرور، كان اسمها مؤخراً . فليتنبه الطالب إلى نصبه، فان كثيراً من الكتاب والمتكلمين يخطئون فيرفعونه، لتوهمهم أنه خبرها نحو: " إنّ عندك لخبراً "، ونحو "لعل في سفرك خيراً " خبراً وخيراً اسم إنّ مؤخر منصوب...

ب‌-  الأحرف المشبهة بليس:


أحرفُ ( ليسَ ) هي أحرُفُ نفيٍ تعمل عملَ ليس فترفع المبتدأ اسما لها وتنصب الخبر خبرا لها، وتُؤَدّي معناها (فتنفي اتصاف اسمها بخبرها )؛ وهي أربعةُ أحرف : (ما ، لا ، لاتَ ، إنْ ).
v    (ما) المشبهة بليس:
تعملُ (ما) عملَ (ليسَ) فتنصب الخبر نحو: ( ما هذا بشرا ) و ( ما هنَّ أُمّهاتِهم ) / هذا و هنَّ : في محل رفع اسمها / بشراً و أُمّهاتِهم : خبرها منصوب؛
ويتحقّقُ عملها هذا إذا توفّرت الشروط الأربعة الآتية:
(1) أن لا يَتقدَّمَ خبرُها على اسمها، فان تقدَّمَ بَطل عملُها ، نحو : ما حسنٌ إخلافُ وعدِكَ ( حسنٌ : خبر مقدّم وهو نكرة ؛ إخلافُ : مبتدأٌ مرفوع وعلامةِ رفعهِ الضمة الظاهرة وهومضاف ، وعدِك : وعدِ مضاف إليه والكاف أيضاً في محل جر بالإضافة ).
(2) أن لا يتقدَّمَ معمولُ خبرِها على اسمها، فان تقدَّمَ بطلَ علمُها، نحو ( ما أمرَ اللهِ أنا عاصٍ )، إلا أن يكون معمولُ الخبر ظرفاً أو مجروراً بحرف جرّ، فيجوز، نحو ( ما عندي أنت مُقيما ) و( ما بكَ أنا مُنتصراً ).
أمّا تقديمُ معمولِ الخبر على الخبر نفسهِ، دُونَ الاسمِ بحيث يتوَسَّطُ بينهما، فلا يُبطلَ عملها، وإن كان غيرَ ظرفٍ أو جار ومجرورٍ، نحو ( ما أنا أمرَكَ عاصياً) .
(3) أن لا تُزادَ بعدها (إِنْ). فان زيدَت بعدَها بطلَ علمُها، كقول الشاعر:
بَني غُدانَةَ ما إنْ أَنتُم ذَهَبٌ *** ولا صَريفٌ ولكنْ أَنتمُ الخَزَفُ
(4) أن لا ينتقضَ نفيُها بـ (إلاّ). فان انتقض بها بطلَ عملُها، كقوله تعالى { وما أمرُنا إلاّ واحدةٌ }، وقوله { وما محمدٌ إلاّ رسولٌ }، وذلك لأنّها لا تعملُ في مُثبتٍ.
فإن فُقدَ شرطٌ من الشروط بطلَ عملُها، وكان ما بعدَها مبتدأً وخبراً مرفوعين، كما رأيت .
ويجوز أن يكون اسمُها معرفةً كما تقدّمَ، وأن يكون نكرةً، نحو (ما أحدٌ أفضلَ من المُخلصِ في عمله ).
وإذْ كانت ( ما ) لا تعملُ في مُوجَبٍ، ولا تعملُ إلّا في منفي، وجبَ رفعُ ما بعدَ ( بلْ ولكنْ ) ، في نحو قولك (ما سعيد كسولاً، بل مجتهدٌ وما خليلٌ مسافراً، ولكن مقيمٌ )، على أنّه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ تقديرهُ ( هو ) ، أي بل هو مجتهدٌ، ولكن هو مقيمٌ. وتكونُ ( بلْ و لكنْ ) حرفي ابتداء لا عاطفتينِ، إذْ لو عَطفَتا لاقتضى أنْ تعمل (ما) فيما بعدَ (بل ولكنْ)، وهو غيرُ منفيٍّ، بل هو مُثبتٌ، لأنّهما تقتضيانِ الإيجابَ بعد النفي. فإذا كان العاطفُ غيرَ مُقتضٍ ، للإيجاب كالواو ونحوها ، جاز نصبُ ما بعدَهُ بالعطف على الخبر (وهو الأجودُ) نحو ( ما سعيدٌ كسولاً ولا مُهملاً ) وجازَ رفعُهُ على انهُ خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، نحو ( ما سعيدٌ كسولاً ولا مُهملٌ ) ، أيْ ولا هوَ مُهمل .
وهكذا الشأن في ( ليسَ )، فيجبُ رفعُ ما بعدَ ( بلْ ولكنْ ) في نحو ( ليس خالدٌ شاعراً، بل كاتبٌ ). ويجوز النصبُ والرفعُ بعدَ الواوِ ونحوها مثلُ ( ليسَ خالدٌ شاعراً ولا كاتباً ) او ( ولا كاتبٌ ) ، والنصبُ أولى .
واعلم أنَّ ( ما ) هذه لا تعملُ عملَ ( ليس ) إلّا في لغة أهل الحجاز ( الذين جاء القرآنُ الكريمُ بلغتهم )، وبلغةِ أهلِ تِهامةَ ونجدٍ، ولذلك تُسمّى ( ما النافية الحجازية ) .
وهي نافيةٌ مُهملةٌ في لغة تميمٍ على كل حال، فما بعدَها مبتدأ وخبر مرفوعان كما في قول الشاعر:
يا أخي لا تملْ بوجهِكَ عنّي *** ما أنا فحمةٌ ولا أنت فرقدُ

مقطع فيديو:الحروف المشبهة بليس والحرف الأول ( ما) -2 [10/34]


تنبيه 1:
1-   ما الحجازيّة العاملةُ وفقَ الشروط يمكن توكيد نفيها بواسطة حرف الجرِّ ( الباء ) إذا ورد مع خبرها؛ ويكون خبرها مجروراً لفظاً منصوباً محلّاً وقد ورد توكيد ما الحجازيّة في القرآن الكريم كثيراً كما في قوله تعالى: (وما اللهُ بغافلٍ عمّا يعملُ الظالمون ) و( وما أنا بظلّامٍ للعبيد )؛ ( بغافلٍ ، بظلّامٍ ) الباء حرف جرّ زائد زائد للتوكيد ، غافلٍ و ظلّامٍ : خبرما الحجازية مجرور لفظاً منصوبٌ محلّاً .
2-   ما المهملة غير العاملة التي لم تتوفرفيها شروط العمل يمكن توكيد نفيها بواسطة حرف الجر ( مِنْ ) إذا دخل على المبتدأ النكرة ويصبح المبتدأ مجروراً لفظاً مرفوعاً محلّا ؛ وقد ورد هذا في القرآن الكريم كثيراً كما في قوله تعالى : ( مالكم مِن إلهٍ غيرُه ) و ( ما لنا مِن محيصٍ ) و ( ما لها مِن فروجٍ ) .
v    ( لا ) المشبهة بليس:
( لا ) المشبهةُ بليس ، مُهملة عندَ جميع العرب وقد يُعمِلُها الحجازيُّون إعمالَ ( ليسَ ) ، بالشروط التي تقدّمت لِما، ويُزاد على ذلك أن يكونَ اسمُها وخبرُها نكرتينِ. وندَرَ أن يكون اسمُها معرفةً، كقول الشاعر
*وَحَلَّتْ سَوادَ الْقَلْبِ، لا أَنا باغياً * سِواها، ولا في حُبِّها مُتراخِيا *
وقد جاء مثل ذلك للمتنبي في قوله: إذا الجُودْ لم يُرْزَقْ خَلاصاً منَ الأذى*** فلا الحَمْدُ مَكسُوباً ولا المالُ باقِيا
وقد أجازَ ذلك بعضُ علماء العربية الفُضلاءُ.
والغالبُ على خبرِ (لا) هذه أن يكون محذوفاً كقوله: مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرانِها *** فأنا ابنُ قَيْسٍ لا بَراحُ
أي لا بَراحٌ لي. ويجوزُ ذكرهُ، كقول الآخر: تَعَزَّ، فلا شَيءٌ على الأرْضِ باقيا *** ولا وَزَرٌ مِمَّا قَضى اللهُ واقِيا
واعلم أنَّ (لا) المذكورةَ، يجوزُ أن يُرادَ بِها نفيُ الواحدِ، وأن يرادَ بها نفيُ الجميع؛ فهي محتملةٌ لنفي الوَحدة ولنفي الجنس، والقرينةُ تُعَيّنُ أحدَهما
(فانْ قلت "لا رجل حاضر". صح أن يكون المراد ليس احد من جنس الرجال حاضراً، وأن يكون المراد "ليس رجل واحد حاضراً". فيحتمل أن يكون هناك رجلان أو أكثر. ولذلك صح أن تقول "لا رجل حاضراً، بل رجلان"، أو رجال. أما " لا " العاملة عمل " أنَّ "، فلا معنى لها إلا نفي الجنس نفياً عاماً، فان قلت "لا رجل حاضر" كان المعنى "ليس أحد من جنس الرجال حاضراً"، لذا لا يجوز أن تقول بعد ذلك "بل رجلان، أو رجال"، لأنها لنفي الجميع).
واعلم أن الأولى في ( لا ) هذه أن تُهمَلَ ويُجْعلَ ما بعدَها مبتدأً وخبراً مرفوعين . واذا أُهملت، فالأحسنُ حينئذٍ أن تُكرَّرَ ، كقوله تعالى " لا خوفٌ عليه ولا هُم يَحزنونَ ".
v    (لات) المشبهة بليس:
تَعملُ ( لاتَ ) عَملَ ( ليسَ ) بشرطين:
(1) أن يكون اسمُها وخبرها من أسماءِ الزمانِ، كالحينِ والساعةِ والأوانِ والوقت ونحوها.
(2) أن يكون أحدُهما محذوفاً. والغالبُ أن يكونَ المحذوفُ هو اسمَها نستدل عليه ونقدّرُهُ من لفظ الخبر بعده، كقوله تعالى { ولاتَ حينَ مَناصٍ } والتأويل ( ولاتَ الحينُ حينَ مناصٍ ) الحينُ : اسم لات محذوف مرفوع علامته الضمة ، حينَ : خبر ليس منصوب علامته الفتحة وهو مضاف ، ومنه قول الشاعر:
ندِمَ الْبُغاةُ و لاتَ ساعةَ مَنْدَمٍ *** والْبَغْيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيهِ وخِيمُ
ويجوزُ أن ترفع المذكورَ على أنّه اسمُها ، فيكون المحذوفُ منصوباً على أنهُ خبرُها، غيرَ أنَّ هذا الوجهَ قليلٌ جداً في كلامهم.
واعلم أن ( لات ) إنْ دخلت على غير اسم زمانٍ كانت مهملةً ، لا عملَ لها، كقوله:
لَهْفي عَلَيْكَ لِلَهْفَةٍ من خائفٍ *** يَبغِي جِواركَ حينَ لاتَ مُجيرُ
واعلم أنّ من العرب من يجرُّ بلاتَ ، والجرُّ بها شاذٌ ، قال الشاعر:
طَلبوا صُلْحنا ولاتَ أَوانٍ *** فأجبْنا أَنْ ليْسَ حين بقاء
وعليه قولُ المتنبي: لَقَدْ تَصبَّرْتُ حَتَّى لاتَ مُصْطَبَرٍ *** والآنَ أَقْحَمُ حتَّى لاتَ مُقْتَحَمِ
v    (إِنْ) المشبهة بليس:
تكونُ ( إنْ ) نافيةً بمعنى (ما) النافية، وهي مُهمَلةٌ غير عاملةٍ في الغالب لكثرة إقترانها بـ ( إلاّ ) . وقد تعملُ عملَ "ليس" قليلاً ، وذلك في لغة أهل العالية من العرَبِ، ومنه قولهم " إنْ أحد خيراً من أحدٍ إلاّ بالعافية " وقولُ الشاعر: إنْ هوَ مُسْتَوْلياً على أَحَدٍ *** إلاّ على أَضعَفِ الْمجانِين
وقولُ الآخر: إنِ الْمَرْءُ مَيْتاً بانْقِضاءِ حياتهِ *** ولكنْ بأَنْ يُبْغَى عَلَيْهِ فَيُخذَلا
انما تعملُ عملَ (ليس) بشرطين:
(1) أن لا يَتقدَّمَ خبرُها على اسمها. فان تقدَّمَ بَطلَ عملُها.
(2) أن لا ينتقضَ نفيها بِـ ( إِلا ). فان انتقضَ بطلَ عملُها، نحو ( إنْ أنت إلاّ رجلٌ كريمٌ )، وانتقاضُ النفيِ المُوجبُ إبطالَ العملِ، إنّما هو بالنسبة الى الخبر، كما رأيتَ، ولا يَضُرُّ انتقاضُهُ بالنسبة إلى معمول الخبر، نحو ( إن أنت آخذاً إلاّ بيد البائسينَ ) ، ونحو البيت ( إنْ هو مستولياً على أحدٍ الخ ).
واعلم أنّ الغالبَ في ( إنْ ) النافيةِ أن يقترنَ الخبرُ بعدها بِـ ( إلاّ ) كقوله تعالى " إنْ هذا إلاّ مَلَكٌ كريمٌ ". وقد يستعملُ الكلامُ معها بدون ( إلاّ ) ، كالبيت ( إنِ المرءُ ميتاً بانقضاءِ حياته الخ ) . ومنهُ قولهم ( إن هذا نافعَكَ ولا ضارّكَ ) .

تنبيه: ليس تختلف عن الأحرف المشبّهة بها ( ما ، لا ، لات ، إنْ ) في كونها تعمل على نصب الخبر دائماً دون التقيّد بشروطٍ تمنع عملها ، فهي تعمل مع تقدّم الخبر فنقول ( ليسَ حسناً إخلاف وعدك ) حسناً : خبر ليس منصوب مقدّم على اسمها إخلاف ، وهكذا ...

هناك تعليق واحد: