الجمعة، 15 أبريل 2016

درس: الاقتباس والتناص

الاقتباس، التناص
الاقتباس:
نقل القول أو الاقتباس هو تكرار قول شخص آخر خاصة إن كان مشهورا أو بالعزو لمصدره الأصلي.
الاقتباس المباشر يعني النقل الحرفي من المصدر ويكون من خلال استعمال علامتي التنصيص ويستعمل الاقتباس المباشر حين يقول شخص مهما قولا مهما أولا: الاقتباس المباشر : وهو أن ينقل الباحث حرفيا من مادة كتاب معين يقل عن ستة أسطر ويضعه بين شولتين("") صغيرتين مزدوجتين ويضع رقماً بعد أعلى الشولتين واضعا بالوقت ذاته الرقم نفسه في أسفل الصفحة وتدرج فيه معلومات تفصيلية عن المصدر كاملة مع وضع نقطة في نهاية رقم الصفحة. وهنالك اقتباس حرفي لكنه يزيد عن ستة أسطر، فإن الباحث يفصل المقتبس من المتن وذلك بترك مسافة حيث يكون المقتبس وسط الصفحة ولا يضع شولتين مزدوجتين، علي أن تضغط المسافة بين أسطر المقتبس بما يعادل نصف المسافة المستعملة في متن البحث، ثم يضع الباحث رقماً في نهاية المقتبس. ويوضع الرقم نفسه في أسفل الصفحة مع ذكر اسم المصدر كاملاً إن كان يسجل في الهامش للمرة الأولى. ثانيا: الاقتباس غير المباشر : وهذا النوع من الاقتباس غالباً ما يستعمل عندما يلجأ الباحث الي فهم فحوي الأفكار أو معناها من المصدر الذي يطلع عليه، ثم يعود ويكتب بلغته الأفكار ذاتها، فانه لا يضع الشولتين المزدوجتين وفي الوقت نفسه يضع رقماً في متن البحث، هو نفسه الرقم في هامش البحث ويمكن للباحث أن يأخذ من أكثر من مصدر الفكرة الواحدة التي يستخدمها وبذلك يدون المصادر في الهامش وبالرقم نفسه حيث وردت. ويلاحظ في بعض الأحيان أن الباحث يقتبس فقرة من كتاب سبق نقلها مؤلفها من كتاب آخر, عندئذ ينبغي الإشارة في الهامش الي المصدرين لا للمصدر المنقول عنه مباشرة بل والمصدر الذي تم استقاؤه الفقرة المقتبسة أيضا وبذل تتحقق الأمانة العلمية المطلوبة في البحث.
الاقتباس غير المباشر: يعتمد الاقتباس غير المباشر على مبدأ العزل والاختيار حيث يكون السرد قائما على عبارات العزو مثل قال, ذكر, أضاف ويتبعها مباشرة القول الذي يكون قريبا جدا من العبارات الأصلية
ويحقق الاقتباس غير المباشر بعض المزايا مثل مساعدة القارئ على مواصلة القراءة دون أن يصطدم بعلامات التنصيص التي قد تقطع النص وتحد من انسيابيته
الاقتباس الجزئي: الاقتباس الجزئي يعني اقتباس جزء محدد من المصدر وفائدته أنه يلفت نظر القارئ إلى شيء يكون له معني مهم
إعادة الصياغة: إعادة الصياغة تعني الاختصار والإيجاز بواسطة استعمال عبارات خاصة بالمحرر نفسه وليست موجودة في المصدر
التناص:
التَّنَاصُّ (بالإنجليزية: Intertextuality) في الأدب هو مصطلح نقدي يقصد به وجود تشابه بين نص وآخر أو بين عدة نصوص[1]. وهو مصطلح صاغته جوليا كريستيفا للإشارة إلى العلاقات المتبادلة بين نص معين ونصوص أخرى، وهي لا تعني تأثير نص في آخر أو تتبع المصادر التي استقى منها نص تضميناته من نصوص سابقة ، بل تعني تفاعل أنظمة أسلوبية . وتشمل العلاقات التناصية إعادة الترتيب، والإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع أو البنية والتحويل والمحاكاة.وهو من أهم الأساليب النقديه الشعرية المعاصرة وقد تزايدت أهمية المصطلح في النظريات البنيوية وما بعد البنيوية. وهو من المصطلحات والمفاهيم السيميائية الحديثة وهو مفهوم إجرائي يساهم في تفكيك سنن النصوص (الخطابات) ومرجعيتها وتعالقها بنصوص أخرى وهو بذلك مصطلح أريد به تقاطع النصوص وتداخلها ثم الحوار والتفاعل فيما بينها .أصبح مفهوم ( التناص ) واضحا فهو حسب البلغارية كريستيفا ( تداخل النصوص في النص الجديد أو التعالق النصي )- وهو يختلف عن السرقات الأدبية أو (التلاص ) حسب مصطلح الشاعر والناقد الفلسطيني عزالدين المناصرة .
أشكال التناص:
تناص تطابقي فيه تطابق بين نصين.
تناص انفصالي، فيه إعلان لموت النص الأول في النص الثاني.
تناص النفي، موت النص الأول في النص الثاني.
نقاش المصطلح:
فإن ت. تودوروف أشار إلى المصطلح بصفة عرضية قائلاً "أنه من الوهم أن نعتقد بأن العمل الأدبي لـه وجود مستقل، أنه يظهر مندمجاً داخل مجال أدبي ممتلئ بالأعمال السابقة وعليه يتحول كلّ عمل فني يدخل في علاقة معقدة مع أعمال الماضي وفي بعض المعاجم العربية المختصة وغير المختصة، ذهب بعض الدارسين إلى اعتبار مصطلح السرقات (Plagiavius) الأقرب إلى لفظ التناص، وهو عند البلاغيين كأخذ قائل من قائل آخر معنى من المعاني وبعض لفظه أو أكثر من لفظه صورة أخرى للمصطلح في واقعه العربي، نلمحها لدى عبد الله الغذامي القائل بمصطلح "التداخل النصي" بحيث يعتقد أن "تداخل النصوص يتمّ عبر نصِّ واحدٍ من جهة ويقابله في الجهة الأخرى نصوص لا تحصى. وقد أنكر مجمع اللغة العربيّة هذا التعبير لأنّ التناص على وزن تفاعُل , والفعل على وزن : فاعَلَ = ناصّ أو ناصص , وقالوا : لا وجود لهذا الفعل في اللغة العربيّة القول بأن لا وجود لهذا الفعل غير مفهوم، فالتناص مصدر وليس فعلا، ومعناه التنادي، كما في كتاب العين.
العقد والتضمين:
العقد والتضمين في الشعر العربي من أنواع التناص.
معاني أخرى:

مصدر الكلمة [ن ص ص] وهو فعل خماسي لازم. تَنَاصَّ ، يتَنَاصُّ ، مصدر تَنَاصٌّ. " تَنَاصَّ النَّاسُ " :اِزْدَحَمُوا. ومعنى آخر تناصى القومُ أخذ بعضُهم بنواصي بعض في الخصومة " هبّتِ الريحُ وتناصتِ الأغصانُ :علَقت رءوس بعضها ببعض ".

درس: الكناية

الكـناية
&هي تعبير لا يقصد منه المعنى الحقيقي، وإنما يقصد به معنى ملازم للمعنى الحقيقي. أو هي : تعبير استعمل في غير معناه الأصلي (الخيالي) الذي وضع له مع جواز إرادة المعنى الأصلي (الحقيقي) .
لتوضيح الكلام السابق بمثال يقول (أبي نظيف اليد) من الواضح أن المعنى الحقيقي هنا ليس مقصوداً وهو معنى غسل اليد و نظافتها من الأقذار ، وإنما يقصد المعنى الخيالي الملازم لذكر هذه العبارة الذي يتولد ويظهر في ذهننا من: (العفة أو الأمانة، أو النزاهة أو الترفع أو نقاء الضمير...) وما شابه ذلك من المعاني المجردة حسب سياق الحديث، وهذه هي الكناية معنى ملازم للمعنى الحقيقي.
مثال آخر: قال تعالى (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) (الفرقان: من الآية27) .
لو تأملنا الآية السابقة نجد أن المقصود من هذه الآية ليس المعنى الحقيقي وهو عض اليدين، وإنما يقصد المعنى الخيالي الملازم لذكر هذه الآية الذي يتوّلد ويظهر في ذهننا من: (الندم الشديد) حيث إن من ظلم نفسه بكفره بالله ورسوله ولم يستجب لدعوة الإيمان يرى مصيره المرعب يوم القيامة ألا وهو الإحراق في النار فيندم على ما كان منه في الحياة في وقت لا ينفع فيه الندم ، فيعض على يديه .
 تدريب : بين الكناية فيما يأتي :
عمر خفيف اليد - عاتبت صديقي أحمر وجهه - الحر يأبى الضيم - الحلاق خفيف اليد - أنا الذى نَظَر الأعْمَى إلى أدَبي‏ - قال أعرابي لأحد الولاة : أشكو إليك قلة الجُرْذان (الفئران الكبيرة) - لغة الضاد هي لغة القرآن - كنانة الله كم أوفت على خطر .
 أنواع الكناية :
1-  كناية عن صفة :
وهى التي يكنى بالتركيب فيها عن صفة لازمة لمعناه (كالكرم  -  العزة  -  القوة  -  الكثرة... )
مثال : قال تعالى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ)
  كناية عن صفة البخل // كناية عن صفة التبذير
فلان ألقى سلاحه (كناية عن الاستسلام) .
فلان نقي الثوب ( كناية عن النزاهة والطهارة ) .
2- كناية عن موصوف : وهى التي يكنى بالتركيب فيها عن ذات أو موصوف (العرب  -  اللغة  -  السفينة) وهى تفهم من العمل أو الصفة أو اللقب الذي انفرد به الموصوف .
مثال: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) كناية عن سيدنا يونس . 
قال الشاعر : يا ابنة اليم ما أبوك بخيل كناية عن السفينة .
3-كناية عن نسبة : وهى التي يصرح فيها بالصفة ولكنها تنسب إلى شئ متصل بالموصوف (كنسبته إلى الفصاحة  -  البلاغة  -  الخير) حيث نأتي فيها بصفة لا تنسب إلى الموصوف مباشرة بل تنسب إلى شيءمتصل به ويعود عليه .
مثال : قال الشاعر : أبو نواس في مدح والي مصر :
   
فما جازه جود ولا حل دونه        ولكن يسير الجود حيث يسير
فقد نسب الجود إلى شيء متصل بالممدوح وهو المكان الذي يوجد فيه ذلك الممدوح .
مثال : الفصاحة في بيانه والبلاغة في لسانه 
كناية عن نسبة هذا الشخص إلى الفصاحة ؛ لأنها في بيانه وإلى البلاغة ؛ لأنها في لسانه .
&مثال : ( الفضل يسير حيث سار فلان ) كناية عن نسبة الفضل إليه.
سر جمال الكناية :   الإتيان بالمعنى مصحوبا بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم .
س1 : كيف أفرق بين الكناية والاستعارة ؟
جـ : الفرق أن في الاستعارة هناك قرينة تمنع وجود المعنى الحقيقي، فحين أقول: رأيت أسداً يحكي بطولاته، فـ( أسد ) هنا استعارة، والقرينة (يحكي) وهذه القرينة مانعة لإرادة المعنى الحقيقي ، فلا يوجد أسد يحكي أو يتكلم، بينما في الكناية لا توجد قرينة تمنع وجود المعنى الحقيقي، فحين أقول : (عتريس يده طويلة) فيجوز إرادة المعنى الحقيقي وهو طول اليد ، كما يجوز إرادة المعنى الخيالي الذي يختفي خلف المعنى الحقيقي و هو أنه لص .
س2 : بين الكناية فيما يأتي :
1-  يقول الشابي مخاطباً المستعمر : سخرت بأنّات شعب ضعيف .
2-   قالت الخنساء في أخيها صخر : طويلُ النِّجادِ رفيعُ العِمَادِ 
3-   للبارودي وهو يتحدث عن الخديو إسماعيل :
       
يَوَدُّ الفتَى أنْ يجمعَ الأرضَ كُلَّها إليه ولمَّا يَدْرِ ما اللهُ صانِعُ
4-  قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الخيل معقود بنواصيها الخير .
5-  قال الله تعالى : (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) (القمر:13) .
6-  لعنترة : وفي الحرب العوان ولدت طفلا        ومن لبن المعامع قد سقي
7-  اليُمْن يتبع ظله والمجد يمشي في ركابه 
8-  لعمرو بن كلثوم في معلقته : بِيَوْمِ كَرِيهَةٍ ضَرْباً وَطَعْناً .. 
9-  لحسان بن ثابت في الإشادة بصحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
       
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم        وإن أصيبوا فلا خور ولا جُزُعُ
10-                     للمتنبي : فالخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني        والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
11-                     قال الشاعر : الجود بين ثيابه والفضل بين ركاب
12-                      لشوقي في غربته : يا بْنَةَ اليَمِّ ما أبوكِ بَخِيلٌ        مَالَهُ مُولَعًا بمَنْعٍ وحَبْسِ ؟
للأعشى في وصف محبوبته : .. ولا تَرَاها لسِرِّ الجار تَخْتَتِل
13-                    كلما نصحته أعطاني ظهره .
14-                    محمد طلق اليدين ، وبيومي جامد الكف .
15-                     أحمد رابط الجأش، بينما معتز مخلوع الفؤاد .
16-                     ركب وليد جناحي نعامة. 
17-                     عتريس أقبل يختال تيها .
18-                    المصري لا يلبس ملابس الهوان. 
19-                    لا تكاد النجوم تبرح مكانها . 
20-                     وبناة الأهرام في سالف الدهر        كفوني الكلام عند التحدي.
21-                    أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى .
22-                     المصري رأسه عالية .
23-                     المصري يرضى بالقليل .






درس: الاستعارةُ التصريحيةُ والْمَكنيَّةُ

الاستعارةُ التصريحيةُ والْمَكنيَّةُ

تعريفُهَا: الاستعارةُ لغةً: مِن قولهِم، استعارَ المالَ: إذا طلبَه عاريةً.
الاستعارةُ التصريحيةُ والْمَكنيَّةُ هي استعمالُ اللفظُ في غيرِ مَا وُضِعَ لَهُ لعلاقةِ المشابهةِ بَينَ المَعنَى الحقيقي والمعنى المستعملِ فيهِ، مع قرينةٍ صارفةٍ عن إرادةِ المعنَى الأصليِّ.
ومعنى تصريحية أي مصرح فيها بلفظ المشبه به الذي استعمل في المشبه وأريد به المشبه، ومعنى مكنية أي مخفي فيها لفظ المشبه به استغناء بذكر شيء من لوازمه، فلم يذكر فيها من أركان التشبيه سوى المشبه.
وقد سبقَ أنَّ التشبيهَ أولُ طريقةٍ دلتْ عليها الطبيعةُ، لإيضاحِ أمرٍ يجهلُه المخاطبُ، بذكر شيءٍ آخر، معروفٍ عندَه، ليقيسَه عليه، وقد نتجَ من هذه الطريقة، طريقة أخرى في تراكيبِ الكلامِ، تَرى فِيهَا ذكرَ المشبَّهِ به أو المشبَّهِ فقط1وترى الاستعارة تشبيهاً حذف أحد طرفيه.
وتُسمَّى هذه بـ "الاستعارةِ"، وقد جاءتْ هذه التراكيبُ المشتملةُ عَلَى الاستعارةِ أبلغَ مِن تراكيبِ التشبيهِ، وأشدَّ وقعاً في نفسِ المخاطَبِ, لأنَّه كلَّمَا كانَتْ داعيةً إِلَى التحليقِ في سماءِ الخَيَالِ، كانَ وقعُها في النفسِ أشدَّ، ومنزلتُها في البلاغةِ أعلَى.
وما يبتكرُهُ أُمراءُ الكلامِ من أنواع ِصور الاستعارةِ البديعةِ، الّتي تأخذُ بمجامعِ الأفئدةِ، وتملكُ على القارئ والسامعِ لبَّهما وعواطفهُما هو سرُّ بلاغةِ الاستعارةِ.
فمنَ الصورِ المجملةِ الّتي عليها طابعُ الابتكار وروعةُ الجمالِ قولُ أمير المؤمنين عليه السلام:
"أَيُّهَا النَّاسُ: لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ شِبَعُهَا قَصِيرٌ، وَ جُوعُهَا طَوِيلٌ. أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ، وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا، فَقَالَ - سُبْحَانَهُ
 -: "فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ.."2.
نَأخُذُ مِنْ كلامِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام استعمالَه لفظَةَ المائِدةِ استعمالاً مجازياً, فإنَّ المرادَ مِنَ المَائِدَةِ "الدنيا"، والعلاقَةُ بينهُمَا هِيَ المشابَهَةُ والقَرٍينَةُ لفظيةٌ3. وإذَا تَأَمَّلنَا هَذَا المَجَازَ، رَأيْنَا أنَّه تضمَّن تشبيهاً حُذِف منْهُ لفظُ المشبَّهِ"الدنيا"، واستُعِيرَ له لَفْظُ المشبَّهِ بهِ "المائدة" ليقومَ مقامَه بادِّعاءِ أنَّ المشبَّهَ بِهِ هُوَ عَينُ المشبَّهِ، وهَذَا أبعدُ مدىً فِي البَلاغَةِ، وأدخَلُ في المُبالَغَةِ، ويُسمَّى هَذَا المجازُ "استعارةً"، ولمَّا كانَ المشبَّهُ بِهِ مصرّحاً بِهِ فِي هَذَا المَجَازِ سمّيَ استعارةً تصريحيةً.
ومن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام "..فَاتَّعِظُوا - عِبَادَ اللهِ - بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ، وَاعْتَبِرُوا بِالْآيِ السَّوَاطِعِ، وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ، وَانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَالْمَوَاعِظِ، فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ.."4.
حيثُ إنَّ المَنِيّةَ لَا مَخَالِبَ لَهَا, فيَعنِي أنَّ هَذَا الَّلفظَ استُعمِلَ فِي غيرِ معنَاه الحقيقيّ لعلاقةٍ هِي المشابهةُ كذلكَ، وبقرينةٍ لفظيَّةٍ, اذاً فَهُوَ مَجَازٌ, وقَدْ شُبِّهتْ فيهِ المنيةُ بالمفترِسِ بجامعٍ القَتلِ، فإنَّ الَّذي يُفهَمُ منهُ أَنْ يشبِّه المنيةَ بالوحشِ المفترِسِ، فأَصلُ الكلامِ قَد علقتْكُم المنيَّةُ كالوحشِ ينهشُكُم بمخالِبِهِ، ثمَّ حُذِفَ المشبّهُ بِهِ فصَارَ "قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ"، على تخيُّلِ أنَّ المنيةَ قَد تمثَّلتْ فِي صورةِ وحشٍ قاتِلٍ ذي مخالبٍ، ورُمزَ للمشبَّهِ بهِ المحذوفِ بشيءٍ مِنْ لَوازِمِهِ وهُوَ "مخالبُها"، ولمَّا كانَ المشبَّهُ بِهِ فِي هَذِهِ الاستعارةِ محْتجَباً سُمِّيت "استعارة ًمكنيةً"، ومثلُ ذَلكَ يُقَالُ فِي هَذَا البيتِ مِنَ الشِّعرِ:
وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها       أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ5
فقد شبَّهَ المنيةَ، بالسَّبُعِ، بجامعِ الاغتيالِ في كلٍّ، واستعارَ السَّبُعَ للمنيةِ وحذفَه، ورمزَ إليه بشيءٍ من لوازمهِ، وهو الأظفارُ على طريق الاستعارةِ المكنيةِ.

القواعد الرئيسة
الاسْتِعارَةُ مِنَ المجاز اللّغَويَّ، وهيَ تَشْبيهٌ حُذِفَ أحَدُ طَرفَيْهِ، فَعلاقتها المشابهةُ دائماً، وهي قسمانِ:
1- تَصْريحيّةٌ، وهي ما صُرِّحَ فيها بلَفظِ المشبَّه بهِ.
2- مَكنِيَّةٌ، وهي ما حُذِفَ فيها المشَبَّهُ بهِ ورُمِزَ لهُ بشيء مِنْ لوازمه.

تمارين
1- عيِّنِ التصريحيةَ والمكنيةَ من الاستعارات الآتية مع بيان السبب:
قال دعبِل الخُزَاعِيُّ:
لا تَعجَبي يا سَلْمُ مِنْ رَجُلٍ        ضحكَ المشيبُ برأسهِ فبكى
قال الشاعر:
وإِذا السعادةُ لاحظتْك عيونُها     نَمْ فالمخاوِفُ كلُّهُنَّ أَمانُ
قال المتنبي يَصِفُ دخول رسولِ الرّوم على سيف الدولة:
وَأقْبَلَ يَمشِي في البِساطِ فَما درَى إلى البَحرِ يَسعَى أمْ إلى البَدْرِ يرْتَقي
وقال تعالى على لسان زكريا عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا6.
وقال البحتري: َمَا قَاتَلَتْ عَنْهُ المَنَايَا جُنُودُهُ               وَلاَ دَافَعَتْ أمْلاَكُهُ وَذَخَائِرُهْ
2- ضع الأسماء الآتية في جمل بحيث يكون كلُّ منها استعارة تصريحية مرة، ومكنية أخرى:
الشمس - البلبل - البحر - الأزهار - البرق.

للمطالعة
بلاغةُ الاستعارةِ7:
سبق لك أَنَّ بلاغة التشبيه آتيةٌ من ناحيتين: الأُولى تأْليف أَلفاظه، والثانية ابتكار مشبَّه به بعيد عن الأَذهان، لا يجولُ إِلّا في نفس أديبٍ وهب الله له استعدادًا سليماً في تعرُّف وجوه الشَّبه الدقيقة بين الأَشياء، وأودعه قدْرةً على ربْطِ المعاني وتوليدِ بعضها من بعض إلى مدىً بعيدٍ لا يكاد ينتهي.
وسرُّ بلاغة الاستعارة لا يتعدَّى هاتين الناحيتين، فبلاغتها من ناحية اللفظ، أنَّ تركيبها يدلّ على تناسي التشبيه، ويحمْلُكَ عمدًا على تخيُّل صورة جديدة تُنْسيك رَوْعَتُها ما تضمَّنه الكلام من تشبيه خفيٍّ مستور.
انظر إِلى قول البُحْتُرِيِّ في الفتح بن خاقان:
يَسمُو بكَفٍّ، على العافينَ، حانيَةٍ تَهمي، وَطَرْفٍ إلى العَلياءِ طَمّاحِ
ألستَ ترى كفَّه وقد تمثَّلتْ في صورة سحابةٍ هتَّانةٍ تصُبُّ وَبْلَهَا على العافينَ السائلين، وأنَّ هذه الصورة قد تملّكتْ عليك مشاعرك، فأذْهلتْكَ عمّا اختبأَ في الكلام من تشبيه؟
وأمَّا بلاغةُ الاستعارة من حيثُ الابتكارُ ورَوْعَة الخيال، وما تحدثه من أثرٍ في نفوس سامعيها، فمجالٌ فسيحٌ للإبداع، وميدانٌ لتسابق المُجِيدين من فُرسان الكلام.
انظر إلى قوله - عزَّ شأْنه - في وصف النار﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ8، ترتسمْ أمامك النار في صورة مخلوقِ ضَخْمٍ بطَّاشٍ مُكْفَهِرِّ الوجه عابسٍ يغلي صدرُه حقدًا وغيظاً.
ثمّ انظر إلى قول أبي العتاهية في تهنئةِ المهديِّ بالخلافة:
أتتْهُ الخِلاَفَةُ مُنْقادَةً    إلَيْهِ تُجَرِّرُ أذْيالَها
تجدْ أنَّ الخِلافة غادةٌ هيفاءُ مُدَلَّلَة مَلُولٌ فُتِنَ الناس بها جميعاً، وهي تأْبى عليهم وتصدُّ إِعراضاً، ولكنها تأْتي للمهدي طائعة في دلال وجمال تجرُّ أَذيالها ذلاً وخفرًا.
هذه صورة لا شكّ رائعة أَبْدع أَبو العتاهية في تصويرها، وستبقى حُلوة في الأسماع حبيبةً إِلى النفوس ما بقي الزمان".
وانظر إلى قول الشريف الرَّضِيِّ في الودَاع:
نَسرِقُ الدّمعَ في الجُيوبِ حَياءً     وَبِنَا مَا بِنَا مِنَ الأشواقِ
هو يسرق الدمع حتّى لا يُوصمَ بالضعف والخَور ساعةَ الوداع، وقد كان يستطيع أن يقول"نَستُر الدمع في الجيوب حياءً", ولكنّه يريد أن يسمو إِلى نهاية المُرْتقَى في سحر البيان، فإنَّ الكلمة "نسْرِقُ" ترسُم في خيالك صورةً لشدّة خوفه أَنْ يظهر فيه أثرٌ للضعف، ولمهارته وسرعته في إِخفاء الدمع عن عيون الرقباء.


هوامش
1- فالاستعارةُ ليست إلا تشبيهاً مختصراً، لكنها أبلغُ منهُ كقولك: رأيتُ أسداً في المدرسةِ، فأصلُ هذه الاستعارةِ "رأيتُ رجلا ًشجاعاً كالأسدِ في المدرسةِ" فحذفتَ المشبهَّ " لفظُ رجلٍ" وحذفتَ الأداةَ ــ الكاف - وحذفتَ وجهَ الشبهِ "الشجاعةَ" وألحقتهُ بقرينةٍ "المدرسةِ" لتدلَّ على أنكَ تريدُ بالأسدِ شجاعاً.
2- نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام ج2، ص181.
3- مر معنى ذلك في درس المجاز.
4- نهج البلاغة,خطب الامام علي عليه السلام ج1، ص 148.
5- أبو ذُؤَيب الهذلي 27 هـ / 648 م خُوَيلد بن خالد بن محرِّث أبو ذُؤيب من بني هُذَيل بن مُدْرِكَةَ المُضَرِيّ. شاعر فحل، مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وسكن المدينة واشترك في الغزو والفتوح، وعاش إلى أيام عثمان فخرج في جند عبد الله بن سعد بن أبي السرح إلى إفريقية سنة (26 هـ) غازياً.
فشهد فتح إفريقية وعاد مع عبد الله بن الزبير وجماعة يحملون بشرى الفتح إلى عثمان، فلما كانوا بمصر مات أبو ذؤيب فيها.
وقيل مات بإفريقية.
أشهر شعره عينية رثى بها خمسة أبناء له أصيبوا بالطاعون في عام واحد مطلعها:
"أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِهِ تتوجّعُ".
قال البغدادي: هو أشعر هذيل من غير مدافعة. وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة وفاته، فأدركه وهو مسجّى وشهد دفنه.
له (ديوان أبي ذؤيب).

6- سورة مريم، الآية:4.
7- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 95 - 96.
8- سورة الملك، الآية: 8.